الصفحات

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

نوار العشية

 

                                                                                                                                         نوار العشية   




لم يكن الرحيل عبر الكتب هو الشيء الوحيد الذي يريحني . كان الرحيل في سراديب الحياة هو بادية الفضول وصديق التحري , تشكوا  والدتي من كثر حديثي وكلامي  أبان عهد الطفولة , واشكوا أنا  بدوري تساؤلاتي الكثيرة , حتى نوار العشية لم يسلم مني .اقتلع كوز الوردة  وأمتص شذ الرحيق وابتلع بتلاتها كما لو أنها عشبة قابلة للأكل ,وكل هذا فقط يحدث لأن لونها مختلف يثير اهتمامي .لا نخجل في طفولتنا من عراء أجسادنا .وزلات لساننا .
يغفر لنا ما نقدم من سوء فلا نحاسب علي صلاة تركت حتى ! , تفتح لنا الأحضان ونحصل علي قبلات كثيرة دون أذن تزرع علي وجناتنا المحبة ! لتزهر علي افواهنا ابتسامات نقية ! , نرقص علي  قرع دفوف الناس في الاعراس وترافقنا ضحكات الزمزامات حين تميل الخصور بانعدام موازنة وتعلوا ضحكات العجائز وتزداد حرارة الموقف حتى تزغرد الخالة أو العمة  كفخر بروح طفلتهم أو طفلهم الخفيفة !, ما أزكانا وأطهرنا وأصفانا !
وحدها الاشياء حين ترحل ندرك قيمة حماقتنا في انعدام قدرتنا للحفاظ عليها أو  للالتفات لها , ,وللتجلي في هيئتها ! لا يوجد نوار عشية في بنغازي بكثرة كون المدينة لا تمتلك  كالريف طراوة الأجواء وكثافة الغطاء النباتي ,لا يمكنني  أن امد يدي لكوز الوردة وأقتلعه من جديد وأسحب شذ الرحيق وأتلذذ بنشوة الحصول عليه كوني أدرك أن هذه  وظيفة النحلة علي كل حال .
تبقينا العقول جامدين ,يثرينا الإحساس بالحركة ! لذلك تولد القلوب الشاعر تميل لتمختر في طريق الحب ,وحده الحب يجعلني أتمختر بذاكرتي في طرق الطفولة ! لم أشعر يوما بانتمائي للضجيج , كنت طفلة وحيدة  أحي في كوخ  بقوريني  العزيزة قبل ظهور أختي علي وجهة الحياة ! ولازلت اشعر أني طفلة وحيدة تحي بروحها في كوخ قوريني ذك حتى الآن!
تثير خيالي فكرة البقاء في الجبل الأخضر للأبد ,حيث يوجد الكثير من نوار العشية  برفقة شجيرات الصنوبر الشاهقة في طولها .تلبسي أحيانا  تعويذات  أبولو حيث يبدأ خيالي يطوف في ربوع معبد زيوس الذي تلمسته يدأي الناعمتين في صغري فأدركت جماله قبل قيمته ! , لم أنسي يوما باتوس حين بدوت أصنع له شكلا في خيالي فتارة أجعل شعره طويل وتارة أخري افرد له شارب وأعطيه طولا .كلما همت في القدوم عائلة من أصدقائنا الأجانب والعرب  تزورنا ويأخذها أبي ليعرض لها تاريخ ليبيا في جولات عبر المدينة !


وقعت في حب الفلسفة دون  غيرها  في قداسة أثينا قبل الميلاد  تحديدا ,دون أن أعي ما هي حتى ,تثيرني دائما كل هذا الاختلاف في كينونة الحياة كل هذه الاصوات التي تصنع سيمفونية البقاء ! ,لم أكن اعلم حينها أن للمرء طفولة تؤثر فيه  بشكل مفزع  ! لم أكن أعي أنني سأشعر بالغربة والوحشة لكوني الآن راشدة لا محال ولا جدوى  للفرار من ذلك ,لم أعلم أيضا أن نوار العشية طعام النحل لا طعامي ! وأن باتوس لم يكن طويلا و الصنوبر لا يستغل في ليبيا ولا يصدر! ولم أكن أعلم أنني سأكتب هذا الكلام لمجرد رؤيتي لصورة خلال طوافي عبر أزقة الفيس بوك , يبدو أن المرء كلما أزداد في عمره أدرك عمق البئر المقذوف فيه يا لا سذاجة الإنسان حينما يحاول فهم الحياة  فيغدو بحجم حبة رمل أمامها .  ! 


             
                                    الصورة لنبات نوار العشية  بعدسة الكاتب  .. مفتاح العلواني  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق